• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
Jul 24 23 at 11:10 PM

بقلم.. وائل قنديل

تفسير أزمة انقطاع التيار الكهربائي في مصر بأن هناك من يعبث في الظلام لإرباك السلطة الحاكمة تمهيدا لإسقاطها على غرار ما فعلته السلطة ذاتها مع الرئيس السابق محمد مرسي هو نوع من الاستسهال والكسل، لا يخدم سوى هذه السلطة بالتغطية على فشل ذريع في إدارة موارد الدولة.
الإدمان على حديث المؤامرة الخارجية والداخلية سلوكٌ ثابتٌ لا يتغيّر عن كل استبداد يسعى إلى إخضاع الواقعين تحت حكمه بفزّاعات أهل الشر وأعداء الوطن الذين يتربّصون به، وهي أدواتٌ وآلياتٌ يبدو أنها فقدت صلاحيتها ولم تعد ذات تأثير بالغ على الجماهير التي تشبّعت من جرعات الوهم، إذ يمكن لأي متابعٍ أن يرصد ما يمكن اعتباره “نوبة صحيان” بين قطاعاتٍ واسعةٍ من المصريين كانت من أشدّ المتحمّسين للنظام الحالي.
بالإضافة إلى ذلك، ثمّة ارتباكٌ واضحٌ في الخطاب الحكومي المقدّم إلى الجماهير بشأن ما تكابده من أزماتٍ يومية، ومن ذلك تصريحاتٌ متناقضة تماما لوزير الكهرباء محمد شاكر فيما يخصّ انقطاعات التيار الكهربائي التي باتت مادّة ساخرة على موائد المصريين، حيث يعلن الرجل أن مبعث الأزمة مشكلة في توفر كميات الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطّات الكهرباء، الأمر الذي يفرض تخفيف الأحمال بقطع التيار أوقاتا طويلة موزّعة على ساعات الليل والنهار، وهو كلام الشخص نفسه الذي قال للمصريين إن آلية تخفيف الآحمال ولّت إلى غير رجعة.
على أن كلام الوزير عن عدم توفر الغاز يبدو صادما لمن صدّقوا السلطة وهي تتحدّث إن إنتاج مصر من الغاز يجعلها قوة تصديرية هائلة، تنافس كبار منتجي الغاز ومصدّريه في العالم، وتتّسع الدهشة حين يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نشرة دورية عن التجارة الخارجية تراجع تصدير الغاز المصري في الشهور الثلاثة الماضية، بنسب هائلة بلغت نحو 75% عما كان في شهر أبريل/ نيسان من العام الحالي، ما دفع النائبة هناء رزق الله إلى التقدّم بطلب إحاطة لمجلس النواب عن أسباب هذا التراجع المخيف في صادرات الغاز.
الأمر إذن مردّه فشلٌ وإنفاقٌ سفيه على صناعة صورة زائفة لتنميةٍ وهميةٍ لا يشعر بها المواطن البسيط، ما أوجد هذه الحالة من السخط العام على الأوضاع الراهنة، شكّلت في مجملها انقلابا في المواقف من السلطة، تجلى في إقدام أشد المدافعين عنها على توجيه انتقادات حادة لها وصلت إلى المطالبة صراحة بخروجها من المشهد ومساءلتها، على نحو ما فعل الدكتور محمد أبو الغار، والذي بلغ به استبسالُه في التمكين لهذا النظام أنه تغاضى عمّا أسماه “العك الدستوري” في نهاية العام 2013، نزولا عند رغبة المجلس العسكري في صياغة الفقرة الخاصة بمدنيّة الدولة.
الشاهد أن هناك تحوّلات درامية مثيرة في المواقف الداخلية من سلطة ما بعد 2013، وهي تحوّلات تلامس حدود الخيال في بعض الحالات، خلاصتها أن ثمّة تصدّعات هائلة في جبهة الذين كانوا مؤيدين على طول الخط، جعلت بعضهم يتصوّر أن انقلاباً قد بدأ استنادا إلى أزمة الكهرباء التي كانت أمضى الأسلحة المستخدمة ضد الرئيس مرسي، وهذا مرّة أخرى نوعٌ من الاستسهال في التحليل أو الاستسلام للوهم.
على أن ذروة دراما التحوّلات تلمسها في مفارقةٍ مذهلةٍ تتمثل في أن أكثر من يدعمون هذه السلطة الآن تجدهم في الخارج، وتحديدا عند الحكومات التي كانت، حتى وقتٍ قريب، موضوعا للخطاب السلطوي، بوصفها جهات أهل الشر والأعداء المتآمرين على مصر وشعبها، فيما تتّسع مع الوقت دائرة التململ والسخط في الداخل.

أضف تعليقك